الأحد، 31 أغسطس 2008

رؤية في السماء














































إذا أردت أن تنظر إلى هيئتك المادية فاذهب إلى بحيرة ساكنة وانظر إلى سطحها، فستجد صورتك منعكسة عليه. سوف ترى عينيك وأنفك وشفتيك ورأسك ورقبتك وجسدك ...الخ. وذلك لأن سطح البحيرة يشبه المرآة التي تنظر من خلالها إلى وجهك. العلاقة هنا بين مبصر ومبصر، فأنت تنظر إلى المرآة بعينك لترى من خلالها هيئتك، وعندما ترى هيئتك سوف تعرف كيف تبدو. أي سوف تعرف كيف تبدو ماديا.

أما إذا نظرت إلى السماء فلن تجد تلك الهيئة نفسها، ولكنك سوف تجد انعكاسا. ذلك الإنعكاس ليس ماديا، حيث أنك لن ترى وجهك أو جسمك أو ظلك. بل سوف ترى انعكاسا من نوع آخر، عندما ينظر المرؤ إلى السماء فسيجد فرح وغضب وحزن وخوف.....الخ. هذه الأحاسيس هي ما تعكسه السماء لناظرها، وليس هذا فقط، بل تعكس أشياء أخرى كالإتساع والضيق والإنفتاح والإنغلاق، القوة والضعف، البرودة والحرارة، السرعة والبطء.

عندما تنظر إلى لوحة فنية قام برسمها أمهر الرسامين سوف تترك هذه اللوحة انطباعات مختلفة على ناظرها. على سبيل المثال لنذهب إلى الموناليزا لدافينشي، عند النظر إليها منذ الوهلة الأولى، سوف تعطي انطباعا معينا، وعند إعادة النظر مرة أخرى، قد نجد انطباعا آخرا يحل محل الإنطباع السابق، والنظرة الثالثة، أو التمعن بالنظر يعطي انطباعا ثالثا ورابع. هذا بالنسبة للوحة، أما السماء فهي أعظم بكثير، فهي أفق مليء باللوحات الفنية المختلفة، التي تفيض على أبصار البشر بأعداد لا متناهية من الإنفعالات التي تنعكس على نفوسهم. منها ما يمكن التعبير عنه بالقول، ومنها ما يعجز اللسان على وصفه. وحتى تلك الأقاويل التي يعبر بها الإنسان عن إحساسه تجاه السماء، لن يوفق بتوصيل مضمونها كما هو بالفعل، بل سيلجأ إلى التشبيهات التي منها ما يقرب، ومنها ما يبعد عن الحقيقة.

إن أقل ما يمكن قوله عن السماء أنها تدلنا على نظام هائل عظيم،و تمثل رهبة السماء قطرة صغيرة من هذا النظام الذي يمثل بدورة قطرة صغيرة من شيء أعظم، حتى نصل إلى ما لا يمكن تصوره بالعقل، وهو الخالق الأعظم، رب الأكوان والسماوات والأرض. وأخيرا نجد السماء تقودنا إلى انعكاس جديد، وهو الإيمان.